هل الحق امتداد للواجب أم الواجب امتداد للحق ؟
مقدمة:
يتميز الإنسان بطبعه المدني إذ لا يعيش منعزلا عن بني جنسه ، بل يعيش في شكل جماعات ،و لكي يضمن الاستقرار و الأمن و العدل و عدم تضارب المنافع و المصالح وضعت القوانين التي ينبغي على كل فرد داخل هذه الجماعة إتباعها و السير و فقها و يتمثل هذا القانون في شكل حقوق و واجبات و نعني بالحق كل ما يخوله لنا القانون و نطالب به فقدانه أما الواجب فهو كل ما نحن ملزمين بالقيام به و نُطـاَلبُ به و لقد اختلف المفكرون حول أسبقية كلاهما عن الآخر فهل الواجب أسبق أم الحق اسبق ؟
التحليل:
القضية: الحق امتداد للواجب بمعنى الواجب أسبق من الحق إذ يرى ( أفلاطون ) أن العدالة تتمثل في إعطاء النفس حقها فالعدالة أن تخضع كل قوة لأخرى الشهوانية للغضبـيـة و الغضبـيـة للقوة العاقلة ، أمـا ( كانط ) فلقد أقام الأخلاق على فكرة الواجب لذاته و بمقتضاه يكون السلوك الإنساني بدافع الإلزام لأن الواجب أمر مطلق صوري منزه عن كل غاية مادية و هو غير مقيد بمنفعة إذ هو غاية في ذاته . أما ( أوجست كونت ) يرى أن الواجب هو القاعدة التي يعمل بها الفرد و تفرضها العاطفة و العقل معا حيث نؤدي ما هو أنسب لطبيعتنا فكل فرد عليه واجبات يجب أدائها فإن حق الفرد هو نتيجة لواجبات الآخرين و هذا يعني أن تحديد الواجب سابق للإقرار الحق .
النقد: لا يوجد أي قانون وضعي يفرض الواجبات دون الحصول على الحقوق.
نقيض القضية : الحق أسبق من الواجب بمعنى الواجب امتداد للحق يبين ( جون لوك ) أن للأفراد كامل الحق في التمتع بالحرية ولا يمكن أن يـنتزع منهم هذا الحق لأنه حق طبيعي يتعلق بالطبيعة البشرية كما أن الحقوق بدأت فردية ثم أصبحت جماعية ، يرى (سقراط ) أن الحق الطبيعي أسبق من الواجب من منطلق أن القانون الطبيعي سابق على الدولة فباعتبار الحقوق الطبيعية ملازمة للوجود الإنساني و بحكم هذا هي سابقة لكل واجب ، كون المجتمع الطبيعي يتقدم عن المجتمع المدني ، أمّـا المنظمات الدولية للحقوق الإنسان فتولي اهتمامًـا للحقوق حيث جاء في المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1788 بعد صدور كتاب " العقد الاجتماعي " لـ(جان جاك روسو ) . إن هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعي الطبيعية التي لا يمكن أن تسقط عنه. ( الحرية – الملكية - الأمن – و مقاومة الاضطهاد ) و لقد ورد في الإعلان الأمريكي للحقوق الذي أصدرته فرجينيا في جانفي 1776 " إن الناس قد خلقوا أحرار متساوين و مستقلين و لهم حقوق موروثة لا يجوز عند دخولهم في حياة المجتمع أن يتفقوا على حرمان خلفائهم منها و هذه الحقوق هي التمتع بالحرية و الحياة عن طريق اكتساب و حيازة الأموال و بالسعي وراء الحرية و الأمن و الحصول عليها " .
النقد : إنّ هذه المنظمات ركزت على الحقوق و أهملت الواجبات فجميع التشريعات الوضعية لم تخول موادها حقوقـًا للأفراد دون مطالبتهم بأداء واجباهم و اعتبارهم الملكية حق مقدس قهم يدافعون عن حقوق الأقوياء بدل الضعفاء .
التركيب : الحق و الواجب وجهان لعلمة واحدة لا يمكن الحديث عن العدل في غياب أحدهما فهما متكاملان شكلي القانون و قاعدته .
فلو طغى الحق على الواجب تضعف الدولة ، و تصبح محل نهب و سلب و إذا طغى الواجب على الحق يكثر الظلم مما يولد الفتن و الحروب .
الخاتمة:
كل حق يقابله واجب، و كل واجب يقتضي و يستلزم الحصول على الحقوق. فواجبي هو غيري و حقي هو واجب غيري .