الغـــــرور :
يتناول الدرس ماهية الغرور وأسبابه، وآثاره الوخيمة على الداعية وعلى
العمل الإسلامي، وما هي مظاهر وعلامات المغتر، وأهم الوسائل المعينة
على التخلص من هذا الداء .
معنى الغرور
لـغــــة: يطلق الغرور على عدة معان، أهمها:
الخداع: سواء أكان للنفس أم للغير، أو للنفس وللغير معاً،
ومنه قوله تعالى:
{ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا[120]}
“سورة النساء”.
ما يؤدي إلى الغرور، وما يوقع فيه:ومنه قوله سبحانه:
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[5] }
“سورة فاطر”.
اصطلاحا : 'هو إعجاب العامل بنفسه إعجاباً يصل إلى حد احتقار،
أو استصغار كل ما يصدر عن الآخرين بجنب ما يصدر عنه، ولكن دون
النيل من ذواتهم، أو الترفع على أشخاصهم'. ولا شك أن من كان بهذه
المثابة فهو مخدوع، وتبعا لذلك، فإننا يمكن أن نفهم مدى التلاقي بين
المعنى الاصطلاحي، والمعنى اللغوي.
أسباب الغرور:
ولما كان الغرور شدة الإعجاب بالنفس، فإن أسبابه التي تؤدي إليه
وبواعثه التي توقع فيه، هي جملتها أسباب الإعجاب بالنفس،
ويزاد عليها:
1- إهمال النفس من التفتيش والمحاسبة: ذلك أن بعض الدعاة قد يبتلى
بالإعجاب بالنفس، ولإهماله نفسه من التفتيش والمحاسبة، يتمكن الداء
منه، ويتحول إلى احتقار، أو استصغار ما يقع من الآخرين بالإضافة إلى
ما يقع منه، وبذلك يصير مغروراً. ولعل هذا هو السر في وصية الإسلام
بالتفتيش في النفس، ومحاسبتها أولًا بأول:
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[18] }
“سورة الحشر”.
2- الإهمال أو عدم المتابعة والأخذ باليد من الآخرين: فقد يصاب بعض
الدعاة بآفة الإعجاب بالنفس، ويكون من ضعف الإرادة، وخور العزيمة،
وفتور الهمة بحيث لا يستطيع التطهّر بذاته من هذه الآفة، وإنما لابد له
من متابعة الآخرين، ووقوفهم بجواره، وأخذهم بيده، وقد لا يلتفت
الآخرون إلى ذلك، فيقعدون عن أداء دورهم وواجبهم، وحينئذ تتمكن
هذه الآفة من النفس وتتحول بمرور الزمن إلى غرور، ولعل ذلك هو السر
في تأكيد الإسلام على النصيحة، حتى جعل الدين كله منحصراً فيها،
وراجعاً إليها: إذ يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( الدِّينُ النَّصِيحَةُ )
رواه مسلم وأبوداود والنسائي وأحمد.
ولعله السر أيضاً في دعوته إلى التضامن، والتعاون بين المسلمين؛
إذ يقول الله تعالى:
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى... [2] }
“سورة المائدة”
.ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ
يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ )
رواه أبوداود .
3- الغلو أو التشدد في الدّين: فبعض الدعاة قد يقبل على منهج الله في
غلو وتشدد، وبعد فترة من الزمان ينظر حوله، فيرى غيره من الدعاة
يسلكون المنهج الوسط، فيظن - لغفلته أو عدم إدراكه طبيعة هذا الدين –
أن ذلك منهم تفريط أو تضييع، ويتمادى به هذا الظن