الحياة الاجتماعية في المراهقة أكثر اتساعا وشمولا ، وتمايزا من حياة الطفولة المتطورة النامية في إطار الأسرة والمدرسة، ذلك لأن المراهقة هي الدعامة الأساسية للحياة الإنسانية في رشدها واكتمال نضجها، كما كانت الطفولة دعامة للمراهقة .
يختلف السلوك الاجتماعي للمراهقين عن سلوك المراهقات في بعض نواحيه، وفي تتابع بعض مظاهره، ولهذا سنحاول في الفقرات الآتية أن نبين الفروق في هذا التطور .
تتلخص أهم الخطوات الرئيسية للنمو اجتماعي عند المراهقين في المراحل الآتية :
مرحلة التقليد: وتبدأ هذه المرحلة عندما يبلغ عمر الفرد 12 سنة وتنتهي في حوالي 15 سنة من عمره، وتتميز بفرط إعجاب المراهق بزملائه الشجعان الأقوياء الأذكياء الذين يتفوقون في ألعابهم ودراستهم، أو الذين يتزعمون أقرانه. ويحاول جهد طاقته أن يقلد هؤلاء الأفراد وان يقتدي بهم في سلوكه .
مرحلة الاعتزاز بالشخصية: وتبدأ بعد 15 من العمر، وتتميز بمحاولة المراهق الانتصار على زملائه في ألعابه وبمغالاته في منا فستهم وبميله أحيانا إلى السلوك العدواني، وبجرأته التي تتحدى بعض المخاوف القائمة، ليؤكد بذلك شخصيته ومكانته ويبرهن على قوته وشجاعته .
مرحلة الاتزان الاجتماعي: وتبدأ في أواخر المراهقة قبيل الرشد ،وتبدو في تجنب المراهق العصيان والاندفاع والتهور، على أساس أن هذه التصرفات صبيانية لا تدل إلا على القصور والعجز .
تطور السلوك الاجتماعي للمراهقات
تتلخص أهم المراحل التي تمر بها الفتاة في نموها الاجتماعي من بداية مراهقتها إلى رشدها في المراحل الآتية :
مرحلة الطاعة: وتبدأ هذه المرحلة قبيل المراهقة وتمتد حتى أوائلها ،وتبدو مظاهرها الأساسية في خضوع المراهقات لمعايير الراشدين من الأهل والأقارب ، فيتصف سلوكهن بالطاعة والخلق والوداعة والرصانة والحياء، والتظاهر بالحشمة .
مرحلة الاضطراب: تمتد هذه المرحلة من أوائل المراهقة حتى 15 من العمر وتتميز بالاضطراب الانفعالي واختلال الاتزان ، إذ قد تنفجر ضاحكة أو تثور غاضبة للأمور التافهة، ثم تلجأ إلى الكآبة اليائسة الحزينة، أو تبالغ في الاهتمام بنفسها ومظهرها ثم تعود إلى حالتها الأولى وهكذا .
مرحلة تقليد الفتيان: وتبدأ في 15 من العمر وقد تمتد إلى 16 اؤ17 وتبدو في تقليد الفتيات للفتيان، في السلوك والزي والحوار. والسبب حسب فريق من علماء التحليل النفسي، هو أن الحياة في صورتها العامة تتجه دائما نحو القوة، والرجولة مظهر هذه القوة، ولهذا تقلد المرأة الرجل فتحاول أن ترتدي زيه والقيام ببعض تصرفاته .
مرحلة الاتزان الاجتماعي: وتبدأ في أواخر المراهقة قبيل الرشد، وتبدو في استجابة الفتاة للمعايير الأنثوية الصحيحة في السلوك، في زيها وحديثها وأنماط حياتها .
العوامل المؤثرة في السلوك الاجتماعي
يتأثر النمو الاجتماعي في المراهقة بالأسرة وجماعة الرفاق الذين ينتمي إليهم ويتأثر بهم إيجابا نحو النضج الذي يهدف إلى تكوينه، أو تحيد به عن مسالك الرشد وترمي به بعيدا عن مستويات النمو السوي .
أثر الأسرة في النمو الاجتماعي
إن الطفولة التي تترعرع بين أحضان الأسرة، تخضع في جوهرها للعلاقات القائمة بين الطفل واخوته ووالديه وأهله وأقاربه، وتنجم عنها مراهقة سوية أو شاذة، تبعا لنوع هذه العلاقات التي تربط الفرد بأهله واقاربه .
علاقة الطفل بوالديه وأثرها على مراهقته: الفرد المدلّل في طفولته يظل طفلا في مراهقته، فيعجز عن الاعتماد على نفسه، ويشعر بالنقص عندما لا تلبى رغباته ويسفر ذلك عن تكيف خاطئ . أما الطفل المنبوذ في طفولته يثور في مراهقته ويميل إلى المشاجرة، ويحاول جذب انتباه الآخرين بفرط نشاطه وحركته، وهو يعبر بذلك عن تكيف سيء مثل الطفل المدلّل نتيجة لمغالاة الوالدين في نقده وتخويفه وحرمانه من العطف والحنان، وهكذا تحتاج النشأة الصحيحة للمراهقة إلى طفولة سوية تحيا في جو لا يدلّلها ولا ينبذها .
يصل الخلاف بين الوالدين وأبنائهم المراهقين إلى أشده في المراهقة المبكرة ( من 13 ال17 سنة ) بسبب إصرار الآباء والأمهات على معاملة أبنائهم على أنهم مازالوا أطفالا، وعلى مطالبتهم في الوقت نفسه بان يتحملوا المسؤولية وأن يسلكوا في حياتهم مسلك الكبار , وتتزايد حدة الخلافات حتى تصل إلى نهايتها العظمى فيما بين (14 و15 سنة ) ثم تهدأ حدتها بالتدريج .
وترجع أسباب الخلاف بين المراهقين وآبائهم أولا إلى ما يفرضه الآباء من قيود على المراهقين لتدريبهم على النظام، وما يصحب هذه القيود من رفض المراهقين لها لاعتقادهم بأنهم تجاوزوا هذه القيود الصبيانية التي يجب ألا تفرض عليهم، وثانيا مبالغة المراهق في نقده لوالديه وإخوته ولحياته العائلية، والآباء يرون في هذا النقد نوع من العقوق أو العصيان، وثالثا يرجع إلى نوع الحياة الاجتماعية التي يحياها الفرد في مراهقته وخاصة في اختلاط المراهق بالجنس الآخر والأماكن الغريبة التي يذهب إليها ،وحاجته الملحة لمزيد من المال ليتابع هواياته ويساير نزواته مع رفقائه .
تتحول علاقات الأبناء بآبائهم من النزاع إلى الوفاق في المراهقة المتأخرة ( من17 إلى 21 سنة ) عندما يدرك الآباء أن أبناءهم المراهقين قد اقتربوا من الرشد ولهم حقوق ، كما أن عليهم أن يتحملوا بحق واجبات هذه الحقوق من مسؤولية إلى سلوك متزن جاد عاقل رصين . وعندما يغير الآباء موقفهم من أبنائهم يسود البيت وفاق وهدوء بعد أن كان ميدان نزاع وخلاف. ويتقبل المراهق إخوته الصغار، ويصبح أكثر إدراكا وفهما بمشكلاتهم ويعاملهم بروح الأخ الكبير .
والشخصية السوية الصحيحة لا تنشأ إلى في جو تشيع فيه الثقة والوفاء والحب والتآلف، والأسرة التي تحترم فردية الشخص تدربه على احترام نفسه، وتساعده على أن يكون محترما بين الناس وتوحي إليه بالثقة اللازمة لنموه. وهكذا يتأثر الفرد في مراهقته بالجو الديمقراطي السائد في آسرته، فينمو ويتطور في إطار مجتمع سوي يعده إعدادا صحيحا للمجتمع الخارجي الذي سيتفاعل معه في رشده وشيخوخته .
أثر المدرسة في النمو الاجتماعي
البيئة الاجتماعية المدرسية أكثر تنوعا واتساعا من البيئة المنزلية، واشد ارتبطا بتطورات المجتمع الخارجي من البيت، ولهذا تترك آثارها القوية على اتجاهات وعادات وآراء الأجيال المقبلة، لأنها تمثل الجسر الذي يمر منه الأجيال من المنزل إلى المجتمع الواسع .
وتوفر المدرسة للمراهق ألوانا مختلفة من النشاط الاجتماعي الذي يساعده على النمو السريع واكتمال النضج فهي تجمع بينه وبين أترابه، فيميل إلى البعض وينفر من البعض الآخر، ويقارن مكانته التحصيلية والاجتماعية بمكانته ويؤثر ويتأثر بفكرتهم عنه ويدرك نفسه في إطار معاييرهم ومستوياتهم ويتدرب على التعاون والنشاط، ويدرك مظاهر المنافسة المشروعة فيلتزم حدودها السوية .
ويتأثر المراهق في نموه الاجتماعي بعلاقاته بمدرّسيه. مدى نفورهم منهم أو حبه لهم، فالمدرس الذي يعرف كيف يتعامل مع المراهقين بالعدل ويتفهم مشاكلهم ويساعدهم على تجاوزها، يحظى باحترامهم وتقديرهم له وتقربهم إليه. كما يتأثر المراهق في ميوله المهنية بمدرسيه وزملائه، وبمدى ميله نحو المواد الدراسية المختلفة .
أثر جميعة الرفاق في النمو الاجتماعي
تتكون جماعة الرفاق في المراهقة من أفراد تتقارب أعمارهم الزمنية والعقلية، ويؤلفون فيما بينهم وحدة متماسكة ،وقد يفوق أثرها اثر البيت والمدرسة ،وتختلف طبيعة العلاقات مع الرفاق عن العلاقات مع الأسرة من ناحيتين أساسيتين هما (1) أن العلاقات الأسرية مفروضة ودائمة وليست اختيارية، في حين أن العلاقات مع الرفاق يكونها المراهق نفسه ، كما أنها قابلة للتغير (2) أن الصداقة أو الصحبة توسع الخبرة التي يحتاجها المراهق، وتعرض الفرد لأنماط جديدة من السلوك .
ويقل تأثر المراهق بجماعة الرفاق تدريجيا، فيصبح أقل انصياعا لرأي الجماعة وأكثر تقديرا لرأي الوالدين والمدرسين والكبار عموما ويساعده على ذلك تأكيد ذاته بالتفوق في الدراسة أو في النشاط الاجتماعي أو الرياضي أو الفني، بالإضافة إلى الزيادة في النضج العقلي والوعي الاجتماعي، وهذا يجعله يستقل نسبيا عن رأي الجماعة وإقامة علاقاته معهم على أساس من التعاون بدلا من المسايرة والانصياع .
فقد دلت الأبحاث على أن درجة اعتماد المراهقين على رأي زملائهم أو تأثرهم بتوجيههم تختلف باختلاف مدى ونوع الاهتمام الذي يتلقونه من الوالدين. فالمراهقون الذين يفشل آباؤهم في توفير ما يحتاجون إليه من حب ورعاية أو الذين يفقدون آبائهم لتغيبهم عن المنزل بسبب أو بآخر، يكونون اشد ميلا إلى الاعتماد على جماعة الرفاق لإشباع حاجاتهم الانفعالية .
النمو الخلقي وعلاقته بالنمو الاجتماعي
يرتبط النمو الخلقي ارتباطا وثيقا بالنمو الاجتماعي، ويخضع تطوره لمدى علاقة الفرد بالمعايير والقيم السائدة، ويرتبط من ناحية أخرى بالنمو الديني، وبمدى علاقة الفرد بالشعائر والطقوس والحرمات، وبمدى استجابته لمستويات الخير والشر .
مستويات النمو الديني: في هذه المرحلة تقل نسبة ممارسة الفرد للعبادات لكنه لا يلبث أن يعود إلى عبادته عندما تمر به أزمة حادة، وعندما تمر الأزمة تبدأ رغبته الشديدة في الصلاة والعبادات. يشك المراهق في بداية مراهقته في الاتجاهات الدينية، وخاصة فيما بين (13 و14 ) من عمره، وذلك لعجزه عن إدراك الفلسفة الدينية العميقة، ويحاول أن يخضع هذا الملكوت لفكرته عن الزمن الموضوعي والذاتي، ثم يخف بعد ذلك هذا الشك في أواخر مراهقته. وتسمى مرحلة المراهقة أحيانا بمرحلة اليقظة الدينية لان الفرد يبدأ فيها جداله الديني الحاد .
وهكذا يقترب الفرد اقترابا واضحا من شعائره الدينية، حتى يصبح قادرا على أن يميز بين الخبيث والطيب، ويتحول الشعور بالخوف من العقاب إلى الشعور بالمتعة الروحية الخالصة العميقة، ويصبح أكثر تسامحا في علاقاته بالأديان الأخرى. وينتهي به المطاف حتى يدرك أن الطريق واحد غايته واحدة، مهما اختلفت مسالكه ودروبه .
يحدّد مستوى التكيف الاجتماعي للمراهق أنماط سلوكه في رشده وحياته المقبلة، ويرتبط ارتباطا وثيقا بمدى ميل الفرد للتفاعل والنشاط الاجتماعي بصوره السوية المختلفة وبمدى استمتاعه بهذا النشاط .
ويهدف التوجيه الصحيح للنمو إلى السير به قدما نحو النضج المتكامل .ولهذا يجب على كل مربي وخاصة الوالدين والمدرسين، مراعاة التوجيهات الآتية :
العمل تدريجيا على جعل المراهق يحب الآخرين ويعطف عليهم ويقدرهم ويتآلف معهم، بواسطة اللعب في الفرق الرياضية،وتكوين الجمعيات الثقافية والاجتماعية ،حيث يجتمع المراهق بأقرانه ويتدرب على ممارسة السلوك الاجتماعي السليم .فيطمئن على سلوكه في إطار جماعته ويثق بنفسه، ويشعر بمسؤولياته،ويقوم بواجباته ويحترم حقوقه،ويندمج في روح الفريق منتجا متفاعلا مع غيره ،وينتقد زملاءه نقدا بنّاء صحيحا ويتقبل نقدهم بروح عالية،ويدرك نواحي قدرته وعجزه، فيثق بنفسه ولا يغترّ بها، ويعتدل في نشاطه فيتزن في عمله ولهوه ، يعرف متى يتخذ قراراته الحازمة وكيف ينظم خططه ،ويعرف متى يعتمد على نفسه وكيف يستعين بغيره وهو بهذا كله يلائم بين نفسه ومجتمعه ،وبين سلوكه وأهدافه ،وبين دوافعه ومثله العليا . والدعامة الصحيحة لهذا النمو تنحو به نحو مستويات الشخصية المتزنة المتكاملة السوية .
استغلال ميل المراهق نحو الاستقلال، وتكليفه ببحث مستقل أو نشاط عملي مستقل، مع توجيهه في إنجازهما .
العمل على جعل المراهق يشعر بان لأستاذ أخ كبير ورائد وصديق، يعمل لمصلحته ،حتى يحس بالأمن حين يفكر في التحرر من سلطة الكبار .
عندما يتطلب سلوك المراهق نصحا أو إرشادا ، يتجنب الأستاذ توجيه اللوم أو التأنيب ويلجأ إلى الإقناع، ولا يفرض عليه رأيا أو سلوكا بل يتركه يبدي رأيه ويناقشه فيه، ويحترم شعوره ويساعده في نفس الوقت على إدراك ما وقع فيه من أخطاء، دون أن يشعر بضغط أو سيطرة عليه، حتى يتقبل النصح بصدر رحب .
نظرا لأهمية الدين في حياة المراهق ،يعمل الأستاذ على توجيهه إلى فهم دينه فهما صحيحا ،وتقوية إيمانه به ، كما يؤدي إلى مساعدته على حل كثير من مشكلاته. والدعامة الصحيحة لهذا النمو تنحو به نحو مستويات الشخصية المتزنة المتكاملة السوية .