اللحوم المُصنعة تسبب السرطان، واللحوم الحمراء (قد) تسببه أيضًا.
تلك العبارة تمثل أهم نتيجة أعلنتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر يوم 25 أكتوبر وأثار ضجة عالمية، وكشف التقرير عن أن تلك النوعيات من اللحوم قد تُزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الأمعاء، ولكن ماذا يعني هذا الكلام؟ وكيف تسبب تلك اللحوم أمراض السرطان؟ وإلى أي مدى تنطبق تلك النتيجة على أرض الواقع؟ وكيف نتجنب المخاطر المحتملة من تناول تلك اللحوم؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها في التقرير الآتي:
1- ما هي اللحوم المصنعة واللحوم الحمراء؟
وهي تشمل بذلك على سبيل المثال لا الحصر : (البرجر والسوسيس والسجق واللانشون والبسطرمة)، وقد أشار التقرير تحديدًا إلى اللحم المقدد (كالبسطرمة) والنقانق (كالسجق والسوسيس).
أما عن اللحوم الحمراء فقد عرفها التقرير: “هي اللحوم غير المصنعة من الحيوانات الثديية مثل: لحم البقر والعجول والماعز والضأن ولحم الخنزير ولحم الحصان بما في ذلك اللحوم المفرومة منها والمجمدة”.
وبشكل عام فإن هذين التعريفين لا يتضمنان اللحوم البيضاء كلحوم الأسماك والطيور “ما لم تكن مصنعة”.
2- ما هي الأضرار المحتملة واليقينية للحوم الحمراء والمصنعة؟
أفاد التقرير بشكل واضح أن اللحوم المُصنعة “تسبب” الإصابة بمرض السرطان، ولفت إلى أن 50 جرامًا من اللحوم المصنعة يوميًّا ترفع من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة تصل إلى 18%، وبذلك وضع التقرير “اللحوم” المُصنعة جنبًا إلى جنب مع التبغ والكحول في قائمة “المُسرطنات”.
ومن ناحية أخرى أفاد التقرير أن “اللحوم الحمراء ربما تحتوي على مواد تسبب السرطان بالرغم من أن الأدلة التي تؤيد ذلك تبقى محدودة، ولفت التقرير إلى عدم وجود أدلة كبيرة على أن تناول 100 جرام من اللحوم الحمراء يوميًّا يزيد من خطورة الإصابة بالسرطان بنسبة 17 %.
وتجدر الإشارة إلى أن نتائج التقرير قد لا تكون “جديدة”، فقد أفاد عدد من الدراسات في الأعوام الماضية عن خطورة تناول اللحوم المصنعة والحمراء، وأنها قد تُزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، ولها علاقة بسرطان الثدي والقولون، وقد تجعل الوضع الصحي أسوأ للمصابين بسرطان البروستاتا.
ولكن التقرير الأخير قد يكون الأكثر دقة كونه خرج بناءً على أكثر من 800 دراسة شاملة – نفذتها الوكالة الدولية لأمراض السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية- لمعرفة الأشياء التي قد تؤدي لزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان، لذلك فالتقرير الأخير يحمل الكثير من النفوذ والتأثير بالنسبة للحكومات العالمية والهيئات التنظيمية المعنية بهذا الشأن.
3- كيف تتسبب تلك اللحوم في الإصابة بالسرطان؟
وتفيد نظريات وأبحاث أخرى بأن مادة “الحديد” المتواجدة في اللحوم الحمراء قد تلعب دورًا في زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان، ويرى آخرون أن هناك بكتريا في الأمعاء قد تدعم فرص الإصابة بالسرطان.
وبذلك فإن ازدياد مخاطر الإصابة بالسرطان ليست لها علاقة بجودة اللحمة سواء تم شراؤها طازجة من “الجزار” أو شراؤها مُجمدة من أي محل أو بقالة، وإنما ترتبط تلك المخاطر بطريقة تصنيع وتجهيز اللحم والمواد الكيميائية الطبيعية المتواجدة بها.
4-إلى أي مدى تتسبب تلك اللحوم «واقعيًّا» في الإصابة بالسرطان؟
ربما تكون المُعطيات “النظرية” التي سلف ذكرها في التقرير “صادمة” و”مُقلقة” في نفس الوقت، ولكن الواقع والتطبيق ليس بنفس “الاسوداد”، فالأمر يحتاج المزيد من الشرح كي يكون أكثر وضوحًا.
وضع التقرير اللحوم المصنعة في نفس فئة “المُسرطنات” مع كل من التبغ والكحول، ولكن في الواقع لا يبدو الأمر كذلك؛ إذ تشير التقديرات إلى أن 34 ألف شخص يموتون من السرطان سنويًّا لأسباب قد ترتبط بالأنظمة الغذائية التي تحتوي على كميات كبيرة من اللحوم المصنعة، وفي مقابل هذا، هناك مليون شخص يموتون من السرطان الناجم عن التدخين، و600 ألف من السرطان الناجم عن تناول المشروبات الكحولية كل عام.
وبذلك وجب التنويه إلى أن التقرير – بوضعه الـ3 أشياء في فئة واحدة من الخطورة- جاء لـ”يحدد” إذا كانت اللحوم المصنعة تسبب سرطان أم لا، ولم “يُقيم” إلى أي مدى تسبب تلك اللحوم السرطان، فالثلاثة أشياء “تسبب السرطان” لذلك وضعت في نفس الفئة، ولكن عمليًّا وواقعيًّا فإن تقييم المخاطر الناتجة عن التبغ والكحول أكبر بكثير من المخاطر الناتجة عن اللحوم المصنعة كما أظهرت الأرقام سالفة الذكر.
ولكي يكون الأمر أكثر اتضاحًا، يشرح البروفيسور دافيد فيليبس الخبير المتخصص في معرفة أسباب السرطان:” الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (تحدد المخاطر) ولا (تُقيم المخاطر)، فعلى سبيل المثال فإن قشر الموز يسبب حوادث ولكن واقعيًّا نادرًا ما يحدث ذلك، والضرر الناتج من الانزلاق في قشرة موز لن يكون مثل حادثة السيارة، ولكن وفقًا لنظام (تحديد المخاطر) التي تتبناه الوكالة الدولية لأبحاث السرطان فإن قشر الموز والسيارات سيتم تصنيفهما في نفس الفئة فكلاهما يتسبب في الحوادث”.
وفي سياق متصل كشفت دراسة أجراها العلماء ببريطانيا في 2011 أن 3% من حالات الإصابة بالسرطان في المملكة المتحدة كانت بسبب تناول “الكثير” من اللحوم الحمراء والمصنعة (حوالي 8800 حالة سنويًّا)، في المقابل فإن 19% من حالات السرطان كانت بسبب التدخين (حوالي 64500 سنويًّا).
ومن ناحية أخرى، انتقدت الشركات المصنعة للحوم التقرير معتبرة إياه: “ينظر فقط لأضرار نظرية”، وقالت الهيئة الاستشارية للحوم، التي أسسها العاملون في بيع وتصنيع اللحوم، إن “تجنب اللحوم الحمراء في النظام الغذائي لا يمثل إستراتيجية وقائية ضد السرطان.. يجب التركيز على المشروبات الكحولية والتدخين ووزن الجسم كعوامل مؤثرة في الإصابة بالسرطان”.
5- ما العمل إذًا؟ هل سنقاطع اللحوم الحمراء والمصنعة؟
هكذا يؤكد البروفيسور تيم كي من مؤسسة الأبحاث في بريطانيا والأستاذ بجامعة أوكسفورد، لافتًا إلى أنه: “لا مانع من تناول شطيرة لحم مقدد من حين لآخر لن يسبب ضررًا كبيرًا، فتناول الغذاء الصحي يتعلق بالاعتدال”. وما قاله كيم يتسق مع ما أفاد به تقرير الصحة العالمية الذي شدد على الأهمية الصحية المتواجدة باللحوم الحمراء والمصنعة من حديد الزنك وفيتامين بي، مع ضرورة الحرص وعدم تناول “الكثير” منها بشكل مستمر، ولم يطالب التقرير بـ”الامتناع” التام عن تناول تلك اللحوم.
ولأن جملة “تناول الكثير من اللحوم” غير محددة بدقة، فينصح الخبراء بعدم تناول أكثر من 90 جرامًا يوميًّا من هذه الأنواع من اللحوم، وخفض متوسط التناول اليومي لـ70 جرامًا أو أقل.